أثرياء آسيا يضخون 200 مليار دولار في منتجات مهيكلة للأسهم

يضخ مستثمرون آسيويون أثرياء أموالاً قياسية في رهانات مُركبة على الأسهم كانت قد كبّدتهم خسائر كبيرة قبل سنوات قليلة.
إصدارات المنتجات المُهيكلة المرتبطة بأسهم هونغ كونغ وسنغافورة قفزت بنسبة 80% هذا العام لتسجل مستوى قياسياً يتجاوز 200 مليار دولار، وفقاً لتقديرات بنك “بي إن بي باريبا” (BNP Paribas)، أحد أكبر الجهات المصدرة. المنتجات المعروفة باسم “أدوات تجميع الأسهم” -التي تُلزم حامليها بالاستمرار في شراء الأسهم عند مستويات محددة مسبقاً- تلقى رواجاً كبيراً إلى جانب المنتجات ذات القسائم الثابتة التي توفر عوائد شهرية.
تحول عن الأسهم الأميركية إلى الصينية
هذا الانتعاش يتزامن مع موجة صعود قوية لأسواق الأسهم الآسيوية مدفوعة بحمى الذكاء الاصطناعي. الرهانات على تلك الأدوات، التي عادة ما تُسوّقها البنوك الخاصة للعملاء من ذوي الثروات الكبيرة، تركزت هذا العام على شركات صينية عملاقة مثل “علي بابا غروب هولدينغ” (Alibaba Group Holding) و”تينسنت هولدينغز” (Tencent Holdings)، في تحول عن أسماء أميركية مثل “إنفيديا” (Nvidia). وتساعد هذه المنتجات حامليها على بناء مراكز في الأسهم بطريقة أكثر انضباطاً، وإن كانت بنيتها المعقدة قد تجعل الخسائر أفدح في ظروف معينة.
وقال توني لي، رئيس استراتيجية مشتقات الأسهم العالمية في “جيه بي مورغان تشيس” (JPMorgan Chase & Co): “الإصدارات كانت محدودة جداً خلال السنوات القليلة الماضية حتى سبتمبر من العام الماضي”، في إشارة إلى الأدوات المرتبطة بالأسهم الآسيوية. وأضاف: “بفضل تعافي السوق الصينية، تحولت الأصول الداعمة لهذه المنتجات من الأسهم الأميركية إلى أسهم هونغ كونغ”.
آسيا السوق الرئيسية
وبينما يتزايد الإقبال على المنتجات المُهيكلة من المستثمرين الأميركيين، تظل آسيا هي السوق الرئيسية. أكثر من 60% من المبيعات العالمية خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2025 جاء من المنطقة، بقيادة الصين وهونغ كونغ، بحسب شركة “إس آر بي” (SRP) التي توفر بيانات حول الصناعة.
الحد الأقصى للعائد على هذه الأدوات أقل بصفة عامة منه عند الاستثمار المباشر في الأسهم، لكن بعض المستثمرين ينجذبون إليها بفضل توزيعاتها الدورية الثابتة، التي غالباً ما تتجاوز عوائد السندات، أو مستويات الأمان التي تنطوي عليها.
لكن المخاطر يجري تجاهلها في بعض الأحيان؛ فانهـيار “ليمان براذرز” (Lehman Brothers) عام 2008، وتفشي جائحة “كوفيد”، والحملة التنظيمية على شركات الإنترنت الصينية التي تسببت في هبوط الأسهم لأدنى مستوياتها في عدة سنوات، ليست سوى بعض الأمثلة على أحداث ألحقت خسائر فادحة بالمستثمرين.
ما هي أدوات تجميع الأسهم؟
أدوات تجميع الأسهم يجري تداولها خارج البورصات، وهي عقود تُلزم المستثمرين بشراء كمية محددة من الأوراق المالية بسعر ثابت وعلى فترات منتظمة. عند صعود الأسواق، عادة ما يكون سعر الشراء بخصم عن سعر السوق. أما في فترات التراجع، يجد الحائزون أنفسهم غالباً مُلزمين بالشراء بأسعار أعلى من السوق.
بعض عقود التجميع الأكثر تداولاً التي تطرحها شركة “سي إيه إندوسويز لإدارة الثروات” (CA Indosuez Wealth Management) تلزم المستثمرين بشراء ضعف الكمية المتفق عليها في بادئ الأمر من أسهم “علي بابا” إذا انخفض سعر السهم بنسبة معينة، تتراوح غالباً بين 10% و20% عن مستواها عند بداية الاستثمار، بحسب تينغ ماي وو، رئيسة حلول الاستشارات في الشركة في سنغافورة.
بالنسبة للمنتجات ذات القسائم الثابتة، عادة ما يكون العائد مرتبطاً بأصل مثل مؤشر أسهم أو سهم منفرد أو مجموعة من الأسهم. وقد عرض بنك “باركليز” مؤخراً منتجاً بقسيمة سنوية 9% تُصرف شهرياً، ويكون رأس المال فيه مرتبطاً بأداء أسهم “علي بابا” و”تينسنت” و”ميتوان” (Meituan)، وفقاً لنشرة شروط اطلعت عليها “بلومبرغ”. وإذا تراجع أي من الأسهم الثلاثة بنسبة 28% أو أكثر مقارنة بسعره عند بداية الاستثمار، يُلزم الحائزون بشرائه بسعر أعلى من مستوى التداول الحالي أو التسوية نقداً بخسارة.
تركيز على أسهم الذكاء الاصطناعي
يُعد سهم “علي بابا” الأصل الأساسي الأكثر شيوعاً بين المنتجات المُهيكلة الصادرة في آسيا هذا العام، بحسب دانيال سو، كبير استراتيجيي التداول في “غولد هورس كابيتال مانجمنت” (Goldhorse Capital Management)، التي تدير منصة للتكنولوجيا المالية تقدم خدمة تسعير المنتجات المُهيكلة. وأضاف أن قسائم الأدوات المرتبطة بشركات الذكاء الاصطناعي الصينية غالباً ما تتراوح بين 10% و20% سنوياً، مقارنة مع 10% إلى 12% لتلك التي تتبع مؤشراً.
يتسارع الطلب مع ارتفاع الأسهم؛ إذ قفزت أسهم “علي بابا” بنحو 90% هذا العام في هونغ كونغ، في حين ارتفع مؤشر “هانغ سنغ للتكنولوجيا” (Hang Seng Tech Index) بنسبة 26%، لينهي سنوات من الأداء الضعيف مقارنة بنظرائه الأميركيين.
وفي “رويال بنك أوف كندا” (Royal Bank of Canada)، تراوحت نسبة الأدوات المرتبطة بأسهم شركات مدرجة في هونغ كونغ بين 30% و40% خلال عام 2025، بحسب كين لوك لي، رئيس قسم المنتجات المُهيكلة لذراع إدارة الثروات في هونغ كونغ. ويُقارن ذلك بنحو 20% عام 2024، عندما كان نحو 80% من منتجات القسائم الثابتة مرتبط بأسماء أميركية، على حد قوله.
وقال سو من “غولد هورس”: “المستثمرون الذين يشترون هذه الأدوات لا يمانعون عادة من تقبل أسوأ السيناريوهات —وهو شراء هذه الأسهم عند مستويات تنفيذ محددة سلفاً أعلى من أسعار السوق— لأنهم يؤمنون بأن هذه الأسهم ستتعافى في نهاية المطاف”.
تضخيم للعوائد.. والخسائر أيضاً
ليس من غير المألوف أن يلجأ المستثمرون الأثرياء إلى استخدام رافعة مالية، ما يتيح لهم تعزيز رهاناتهم وتضخيم العوائد، على حد قول وو من “سي إيه إندوسويز”. وبالطبع، فإن الخسائر تتضخم هي الأخرى في السيناريوهات السلبية.
يشير تشارلز-إدوارد غارنييه، رئيس مبيعات مشتقات الأسهم في آسيا باستثناء اليابان لدى “بي إن بي باريبا”، إلى أن التحدي الذي يواجهه البنك هو إدارة المخاطر في ظل تركز المنتجات الحالية على عدد محدود من الشركات. ومع ذلك، فقد حفزت مكاسب السوق هذا العام الإقبال على المخاطرة وإعادة الاستثمار بعد تسوية بعض المنتجات مبكراً نتيجة تجاوز أسعار الأسهم لمستويات التسوية قبل أجل الاستحقاق.
وقال: “لن أتفاجأ بتحقيق نمو جيد مرة أخرى العام المقبل، بافتراض ألا تنهار السوق”.



