اخر الاخبار

أباطرة الصين يحولون إندونيسيا إلى عملاق في صناعة الألمنيوم

يعزز كبار رجال الأعمال الصينيين صناعة الألمنيوم في إندونيسيا من خلال إقامة مشاريع تُقدّر بمليارات الدولارات، تشبه إلى حد كبير الرهانات التي أُطلقت قبل نحو عقد على ثروة البلاد من النيكل، ما ينذر بإعادة تشكيل السوق العالمية للألمنيوم.

في ظل القيود المفروضة على الإنتاج المحلي، تتجه شركات مثل “تسينغشان هولدينغ” (Tsingshan Holding) التابعة للملياردير شيانغ غوانغدا، و”تشاينا هونغتشياو” (China Hongqiao) و”شاندونغ نانشان ألمنيوم” (Shandong Nanshan Aluminum) المملوكة لسونغ جيانبو، لضخ استثمارات في إنشاء مصاهر ومصافٍ جديدة داخل أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا.

وتشير تقديرات “غولدمان ساكس” إلى أن إنتاج الألمنيوم في إندونيسيا قد يرتفع خمسة أضعاف بحلول نهاية العقد.

السؤال الذي يطرحه المتعاملون في سوق المعادن الآن، هل يمكن للاستثمارات الصينية أن تواصل التدفق على إندونيسيا دون أن تلحق الضرر بمستقبل المعدن كثيف الاستهلاك للطاقة، وهو معدن لا غنى عنه في كل شيء من عبوات المشروبات الغازية إلى الروبوتات والسيارات الكهربائية.

 النيكل يقدم إنذاراً مبكراً لصناعة الألمنيوم

تشكل تجربة النيكل درساً تحذيرياً. فقبل نحو عقد، كانت إندونيسيا  تُمثّل 7% من إجمالي ما تنتجه المناجم في العالم من معدن النيكل، أما اليوم فباتت تستحوذ على ما يقرب من 60%، وذلك بفضل الكهرباء الرخيصة المعتمدة على الفحم والمصاهر الصينية. هذا النمو السريع، الذي لم تُقدّره كبرى شركات المعادن مثل مجموعة “بي إتش بي” (BHP Group) حق تقديره، أجبرها على إغلاق عملياتها في أستراليا وأماكن أخرى. وحتى الصناعة الإندونيسية نفسها بدأت تعاني من الضغوط الناتجة عن نموها السريع.

قال ألان كلارك، مدير شركة الاستشارات المتخصصة في المعادن “سي إم غروب” (CM Group): “خلال السنوات الخمس المقبلة، ستُصبح إندونيسيا مركزاً رئيسياً لصناعة الألمنيوم العالمية”. و”من المثير للاهتمام حقاً المقارنة بما حدث في قطاع النيكل العالمي وما يجري حالياً”.

رغم أن احتياطي إندونيسيا من البوكسيت، المادة الخام المستخدمة في إنتاج الألمنيوم، لا تضاهي بأي حال من الأحوال ثروات النيكل منخفض الجودة التي قلبت موازين الصناعة بفضل الابتكار التكنولوجي، إلا أنها تظل كافية لدعم صناعة صهر ضخمة، مدعومة بانخفاض تكاليف العمالة واعتمادها على محطات الطاقة العاملة بالفحم.

دعم حكومي لتسريع نمو الصناعة

بالنسبة لقادة إندونيسيا، الذين يتطلعون إلى تطوير قطاع صناعي يوفر فرص عمل ويساهم في نمو الاقتصاد، فإن احتمال تكرار تجربة النيكل الناجحة يبدو مغرياً، وقد دفع هذا الطموح رئيس إندونيسيا آنذاك جوكو ويدودو إلى حظر تصدير خام البوكسيت في عام 2023. أما خليفته برابوو سوبيانتو، فقد تمسك بقوة بما يُعرف بسياسة “التصنيع المحلي”، التي يأمل من خلالها تمويل طموحات واسعة النطاق، تشمل تقديم وجبات مدرسية مجانية للجميع وإنشاء صندوق ثروة سيادي ضخم.

وتُقدّر تكلفة بناء مصفاة واحدة بنحو مليار دولار، وهو رهان باهظ، لكنه ثمن تعتبره العديد من الشركات الصينية مناسباً في سبيل تأمين المواد الخام اللازمة.

خلال هذا العام وحده، ستبدأ ثلاث مصافٍ جديدة للألومينا، وهي عنصر أساسي في عملية إنتاج الألمنيوم، عملياتها التشغيلية. ومن المتوقع أن تدخل ثلاث مصافٍ أخرى حيز العمل بحلول نهاية عام 2027، ما سيُسهم في رفع القدرة الإنتاجية لإندونيسيا بأكثر من خمسة أضعاف، ويدفعها إلى مصاف كبار المنتجين العالميين، وفقاً لتقديرات شركة الاستشارات “سي آر يو غروب” (CRU Group).

نمو متسارع في قطاع المصاهر

تُحقق إندونيسيا تقدماً ملحوظاً في مجال صهر الألمنيوم، إذ يعمل حالياً مصنعان في البلاد، ومن المتوقع أن تدخل أربعة مصانع إضافية الخدمة بحلول نهاية العقد، وفقاً لتقديرات “غولدمان ساكس”.

فرضت إندونيسيا قيوداً على تصدير خام البوكسيت، ما دفع الصين في البداية إلى التوجه نحو غينيا، أكبر منتج في العالم لهذه المادة الخام. لكن غينيا الواقعة في غرب أفريقيا بدأت في استعراض هيمنتها على الإمدادات، من خلال إلغاء حقوق التعدين للشركات التي ترفض المضي قدماً في بناء مصافي تكرير داخل أراضيها، وهي خطوة عززت رغبة الصين في تنويع مصادرها بشكل أكبر.
 
في هذا السياق، ذكر أغوستينوس تان، الرئيس التنفيذي لشركة “بي تي لامان ماينينغ” (PT Laman Mining) المنتجة للبوكسيت، أن بعض مستثمري المعادن الصينيين عرضوا نقل مصانعهم إلى إندونيسيا قطعة تلو الأخرى،  أو تقديم الدعم المالي للشركات المحلية غير القادرة للحصول على التمويل. 

وقال تان، الذي تخطط شركته لبدء بناء مصفاتها الخاصة العام المقبل، “بعض المصانع تغلق أبوابها، وقد عرضوا شراء الآلات”. و”من الأفضل أن تكون بعيداً عن المستخدم النهائي للمنتج، بدلاً من أن تكون بعيداً عن المادة الخام”.

استثمارات ضخمة من “تسينغشان”

من بين كبار المستثمرين الصينيين تبرز شركة “تسينغشان”، عملاق صناعة الفولاذ المقاوم للصدأ، والتي قادت التوسع السريع في قطاع النيكل في إندونيسيا بفضل حجمها الضخم وتركيزها الحاد على خفض التكاليف. وقد دشنت الشركة أول مصهر للألمنيوم في عام 2023، ومن المقرر أن يبدأ مصهر أكبر بكثير الإنتاج في العام المقبل.

قال آندي فريدة، محلل قطاع الألمنيوم في شركة “فاست ماركتس” (Fastmarkets): “عندما دخلت تسينغشان إلى قطاع الألمنيوم، أُصيب الجميع بالدهشة.. إنهم يوسّعون نطاق أنشطتهم”. 

الكثير من التطورات سيعتمد على مدى التزام هذه الشركات بخططها، حتى في حال استمرت التحديات الاقتصادية في الضغط على أسعار الألمنيوم على المدى القصير. ويقدّر محللو “سيتي غروب” أن المعروض العالمي بما في ذلك من إندونيسيا لن يشهد زيادة تُذكر إذا بقي سعر المعدن قريباً من مستوياته الحالية، عند نحو 2500 دولار للطن.

الكهرباء تحدٍ حاسم أمام التوسع

قال ليو ديفي، المحلل المخضرم الذي عمل سابقاً لدى شركة التعدين “ريو تينتو” (Rio Tinto) ومؤسسة الأبحاث الصينية “أنتايك” (Antaike): “يعتقد الكثيرون في السوق أن معظم هذه الخطط لن تتحقق أبداً”، مشيراً إلى وجود تساؤلات جوهرية حول تأمين إمدادات الكهرباء.

و”إذا لم تتمكن المصاهر من الحصول على كهرباء آمنة وميسورة التكلفة، بما يشمل أيضاً تكاليف البناء المعقولة، فسينتهي بها الأمر إلى طريق مسدود”.

قد يُعاد الاعتماد على الفحم الذي تملك إندونيسيا منه وفرة  لتشغيل الصناعة، تماماً كما حدث في قطاع النيكل. لكن التحدي الأهم يبقى في قدرة البلاد على استخراج كميات كافية من البوكسيت لتلبية طموحات كبار المستثمرين أو رجال الأعمال النافذين الصينيين في صناعة المعادن.

قال فريدة: “لا أعتقد أنه ينبغي لنا أن نشكك في ما يمكن للصينيين إنجازه. فإذا تمكنوا من تكرار ما فعلوه في قطاع النيكل، فلن يكون مفاجئاً إذا تبيّن لاحقاً أن التوقعات كانت متواضعة للغاية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *