آمال التهدئة التجارية تقود مؤشرات وول ستريت نحو مستويات قياسية

دفعت آمال “وول ستريت” بقرب التوصل إلى اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والصين الأصول عالية المخاطر إلى الارتفاع، مع تسجيل الأسهم مستويات قياسية جديدة وسط موجة صعود في العملات المشفّرة. ومع تراجع الطلب على الأصول الآمنة، انخفض الذهب إلى جانب السندات قصيرة الأجل.
ارتفع مؤشر “إس آند بي 500” بنسبة 1.2% بعدما نجح المفاوضون التجاريون من الصين والولايات المتحدة في التوصل إلى سلسلة من المكاسب الدبلوماسية التي سيعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الصيني شي جين بينغ خلال قمة هذا الأسبوع. ومع توقع مزيد من خفض أسعار الفائدة من جانب مجلس الاحتياطي الفيدرالي، تبدو آفاق الأرباح أكثر إشراقاً.
وقال لويس نافلييه من شركة “نافيلييه وشركاه” (Navellier & Associates) إن “السوق مشتعلة. هذا يعكس تفاؤلاً قوياً بشأن إمكانات الأرباح المستقبلية. المحرك الرئيسي اليوم هو الأخبار التي تشير إلى أن المفاوضات مع الصين بشأن الرسوم الجمركية تسير بشكل جيد. لا حاجة للقول إن الاتجاه في صالحنا”.
موسم أرباح قياسي وتقارير مرتقبة لشركات التكنولوجيا
تبدو الشركات الأميركية الكبرى غير متأثرة نسبياً بالرسوم الجمركية، إذ تحافظ على هوامش أرباحها من خلال رفع الأسعار وخفض التكاليف. كما تسجل مبيعات الشركات المدرجة ضمن مؤشر “إس آند بي 500” أعلى مستوياتها في أربع سنوات.
ومن المقرر أن تعلن “مايكروسوفت” و”ألفابت” و”ميتا” و”أمازون” و”أبل” نتائجها يومي الأربعاء والخميس، وهي شركات تمثل نحو ربع المؤشر الأميركي، وقد قفز مؤشر “العظماء السبعة” (الشركات أعلاه إضافة إلى إنفيديا وتسلا) بنسبة 2.6%.
وقال كريس لاركن من “إي تريد” التابعة لـ”مورغان ستانلي”: “مع توجه الفيدرالي نحو خفض أسعار الفائدة، يبدو أن استمرار الصعود سيعتمد على نتائج الأرباح المرتقبة هذا الأسبوع، ما لم تظهر مفاجآت في المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين”.
وسجّل مؤشر “إس آند بي 500” مستوى 6875 نقطة، في أفضل أداء له خلال ثلاثة أيام منذ مايو. ورغم أن معظم القطاعات حققت مكاسب، إلا أن نطاقها لم يكن واسعاً. وقال جوناثان كرينسكي من “بي تي آي جي”: “في نهاية المطاف، تحتاج موجات الصعود إلى قاعدة أوسع لتستمر”.
ارتفعت عوائد سندات الخزانة لأجل عامين بنقطتين أساس إلى 3.5%، وتراجع الدولار، فيما تراجع الذهب عن عتبة 4000 دولار.
اقرأ أيضاً: هؤلاء هم المرشحون النهائيون لمنصب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الجديد
تفاؤل ترمب واتفاقات جديدة
قال ترمب للصحفيين يوم الإثنين إنه يشعر “حقاً بإيجابية كبيرة” بشأن التوصل إلى اتفاق مع الصين، بعدما كشف مسؤولون عن سلسلة اتفاقيات لتخفيف التوترات. ورغم حفاوة الأسواق بهذه التطورات، حذّر بعض المحللين من أن الاتفاق الذي سيوقعه ترمب وشي في كوريا الجنوبية لا يتطرق إلى القضايا الأكثر تعقيداً، مثل الأمن القومي وإعادة التوازن التجاري.
وأوضح فؤاد رزق زاده من “فوركس دوت كوم” و”سيتي إندكس”: “بينما رفعت هذه التطورات معنويات السوق، لا يزال المحللون متشككين في أن القضايا الأساسية، مثل الأمن القومي والمنافسة التكنولوجية، ستُحل بالكامل. ومع ذلك، يتبنى المتداولون مزاجاً متفائلاً ومخاطراً”.
“عوامل مواتية” قوية تدعم الأسهم
يرى مارك هاكِت من “نايشن وايد” أن العوامل الداعمة للأسهم كبيرة، إذ تتقاطع المؤشرات الفنية مع الأساسيات مع تراجع المخاطر. وقال: “في المرحلة المقبلة، ستدعم الأسواق سلسلة من العوامل المواتية خلال الأشهر المقبلة، تشمل الموسمية القوية، وحل النزاعات التجارية، والتحفيز المالي، وتيسير السياسة النقدية”.
ويتميّز موسم الأرباح الحالي بارتفاع سقف التوقعات بعدما رفع المحللون تقديراتهم المسبقة، في حين أن الأرباح القوية واستمرار الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي تعوّض المخاطر الناجمة عن العناوين التجارية وإغلاق الحكومة الأميركية.
وقالت أولريكه هوفمان-بورخاردي من “يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت” إنه “مع إعلان الشركات عن نتائج قوية للربع الثالث ضمن بيئة مواتية، نتوقع استمرار ارتفاع الأسهم الأميركية في الأشهر المقبلة. لذلك نحافظ على نظرتنا الإيجابية، ونتوقع أن يصل مؤشر إس آند بي 500 إلى 7300 نقطة بحلول يونيو 2026”.
إنفاق ضخم على الذكاء الاصطناعي
من المتوقع أن تسجل “مايكروسوفت” و”ألفابت” و”أمازون” و”ميتا” نفقات رأسمالية مجمعة تبلغ 360 مليار دولار في سنتها المالية الحالية، معظمها مرتبط بالذكاء الاصطناعي، على أن ترتفع إلى نحو 420 مليار دولار العام المقبل، وفق تقديرات جمعتها “بلومبرغ”.
وقال كلارك بيلين من “بيلويذر ويلث”: “نتوقع جولة قوية أخرى من أرباح عمالقة التكنولوجيا، بفضل الطلب المستمر على تقنيات الذكاء الاصطناعي وبنيته التحتية. ورغم أن ربحية الذكاء الاصطناعي ما تزال غامضة، فإن المستثمرين يتغاضون عن ذلك مع احتدام السباق في هذا القطاع”.
وترى هارديكا سينغ من “فندسترات غلوبال أدفايزرز” أن نتائج “العظماء السبعة” هذا الأسبوع ستكون مؤشراً حاسماً للمستثمرين لتحديد ما إذا كانت موجة الذكاء الاصطناعي تُخفي فقاعة.
لكنها أضافت: “هذه المخاوف وحدها لا تكفي للهروب من السوق. الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل كل الصناعات، ونحن في بدايات دورة طويلة الأمد، لذا القلق بشأن التقييمات سيكون قصير النظر”.
ترقب تعليقات شركات التكنولوجيا حول الإنفاق
مات مالي من “ميلر تاباك” أشار إلى أن “القضية الأهم ستكون التصريحات المتعلقة بمعدل الإنفاق المستقبلي على الذكاء الاصطناعي من جانب عمالقة الحوسبة السحابية. التوقعات مرتفعة جداً، لذا هناك بعض المخاطر، لكن لم تظهر أي إشارات على نية هذه الشركات تقليص الإنفاق، ما يجعل التوقعات المرتفعة في محلها”.
وقال ماكس كيتنر من “إتش إس بي سي”: “نحافظ على نظرتنا المتفائلة تجاه الأصول عالية المخاطر حتى عام 2026، ونتوقع استمرار موجة الصعود في الأشهر المقبلة”.
وأشار إلى مجموعة من العوامل المحفزة تشمل استمرار متانة النمو الأميركي، وضعف المعنويات والمراكز الاستثمارية، إضافة إلى تحسّن السيولة مع اقتراب نهاية التشديد الكمي وربما المزيد من دعم السيولة من الاحتياطي الفيدرالي لتفادي ضغوط التمويل في نهاية العام.
ويتوقع محللو “مورغان ستانلي” أن تتوسع مراجعات الأرباح الإيجابية لتشمل مزيداً من الأسهم بنهاية العام وفي عام 2026. وقال الفريق بقيادة مايكل ويلسون: “لدينا قناعة قوية بأطروحة التعافي التدريجي، التي ما تزال خارج الإجماع العام”.
وذكر محللو “دويتشه بنك” بقيادة بينكي تشادها أن موسم أرباح الربع الثالث جاء أفضل من المتوقع، وقد يحقق نتائج تفوق تقديرات ما قبل “يوم التحرير” عندما أعلن ترمب رسومه الشاملة في أبريل.
في الأثناء، تحولت صناديق التحوط إلى مراكز شراء صافية للأسهم الأميركية الأسبوع الماضي، بعدما عززت بيانات التضخم المعتدل رهانات على خفض وشيك في الفائدة، ما دفع المؤشرات الرئيسية إلى مستويات قياسية جديدة.
ووفق تقرير مكتب الوساطة الرئيسي في “غولدمان ساكس” للأسبوع المنتهي في 24 أكتوبر، فإن هذه المشتريات كانت مدفوعة في الأساس بتغطية المراكز القصيرة، وليس بفتح مراكز شراء جديدة.



